المسؤولية المجتمعية للمؤسسات

تعتبر مسؤوليات المؤسسات الاقتصادية من المواضيع التي أثار حولها الجدل طوال 30 سنة الأخيرة. ففي سنوات السبعينات و الثمانينات كان الاهتمام في البلدان المتطورة اقتصاديا مركزا أكثر على تأثير نشاطها على البيئة. ثم تحول الاهتمام في التسعينات ليشمل مسؤولياتها اتجاه الإنسان و الاقتصاد بالمفهوم الواسع.

و أخذ المصطلح الأدبي حيزا هاما في إصدار الأحكام علي المسؤولية العملياتية للشركات و تداولت عبارة "الشركة الأخلاقية" لتشخيص المؤسسات التي تهتم بالنتائج المجتمعية و البيئية لنشاطاتها. لطالما ارتبط مصطلح أخلاقيات الشركة بمعايير حسن التصرف و المعاملة، مع أن تعريف الأخلاق في حد ذاتها قضية شائكة. قيل عن الأوروبيّين أنهم مسلمون بدون إسلام و عن المسلمين أنّهم أيضا بدون إسلام. و ما نشهده هو ازدواجيّة في المعايير و الكيل بمكيالين في عديد القضايا من كلا الطرفين. و يُفترض بأخلاقيات الشركة أن ترتكز على القيم الاجتماعية التي تُعد ثمرة تأثيرات الثقافات المتبادلة لكي تكون قابلة التطبيق عبر الحدود الجغرافية و الثقافية و الدينية. و يكتنف إيجاد هذه القيم أهمية بالغة. بقي مفهوم الأخلاق مبهما لحد كبير و لم يتفق الفلاسفة في تعريفه بدقة بعد قرون من الجدل الحاد. بينما يعطي مصطلح المسئولية القانونية صورة أوضح و أدق بسبب طابعه العملي. و هذا ما يفسر إجماع المختصين في استعمال حقوق الإنسان كإطار لتحديد مسئولية الشركات المجتمعية.

تمثل حقوق الإنسان الدولية مرجعا من خلال ثرائها بمجموعة قيم : حيث يعتبر كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و عـهـدي 1966 للحقوق المدنية والسياسية ثم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القيم الوحيدة المصادق عليها سياسيا و معترف بها من الأغلبية العظمى لبلدان العالم و من بينها البلدان العربية و الإسلامية. و بهذا, فإن حقوق الإنسان هي المبادئ الوحيدة الواضحة التي تستطيع أن تشكل نموذجا مرجعيا دوليا لتصرفات الشركة المسئولة حيال الإنسان.

قليلة هي المؤسسات المهمة التي تشير بصفة علنية إلى مبادئ حقوق الإنسان، مع أن أغلبية قوانين السلوكات تتضمن لب حقوق العمل، وان كان بعضها منحصرا في حقوق صحة و أمن العمال. إن مثل هذه المعاملات المحدودة لن تساعد الشركة على النجاح و تفادي التحديات التي تهددها و كذا الاستفادة من الفرص التي تُمنح أمامها.

و بينما بقيت المجادلة حول أخلاق الشركات قائمة بسبب غموض المصطلح و عدم دقته و استحالة استعماله للمقارنة, أخذ إطار حقوق الإنسان - و بالتالي المعاهدات الدولية و القوانين الوطنية حولها - مركز الأساس لإصدار الأحكام الدقيقة  حول نتائج نشاط تلك الشركات علي الصعيد الإنساني و البيئي و الاقتصادي. و تعتبر حقوق الإنسان حينئذ الهيكل الواضح و الموحد و الممكن لمقارنة جودة العامل الاجتماعي لنشاط الشركات الاقتصادية.

من جهة أخري نتج عن عولمة النشاط الاقتصادي و التطور الحاصل في ميادين المواصلات و التكنولوجية أكثر اهتمام بحقوق الإنسان في المجتمعات المختلفة وبالتي أصبح الأمل في  تجسيدها في نشاط الشركات ممكنا. إن خرق هذه الحقوق و تخييب الأمال يذهب كل أمل و يحطم سمعة الشركات ذات الاسم البارع.

مصطلح التنمية المستدامة هام جدا. و يؤدي استعماله في نشاط الشركات إلي أن هذه الأخيرة مطالبة لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية متمثلة في الإنسان و البيئة و الربح. هذه الصورة تبين أن للمؤسسات ثلاثة أنواع من المسؤوليات : مسؤوليات مجتمعية و أخرى بيئية و ثالثة اقتصادية و علي أساسها تشارك أي مؤسسة في التنمية المستدامة. 

تحتاج كل شركة الإجابة على الأسئلة الآتية لتكون مؤهلة لمسئوليتها المجتمعية: ما هو نشاطها الأساسي و لماذا و لصالح من هذا النشاط؟ و تكون للإجابات أكثر أو اقل أهمية بالنسبة للمسير و بالنسبة للشريك أو للزبون أو للعامل أو لأي طرف آخر له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالشركة. لكل طرف اهتمام و مستحقات يجب دراستها و تحليلها. تلك الاهتمامات و المستحقات هي لب المسئولية المجتمعية لكل شركة علي حدا, و من الضروري أن تلحق الإجابات بمخطط نشاطات الشركة.  

و تحمل الإستراتيجية المختارة و السياسات المبرمجة إجابات الشركة علي هذه الأسئلة و قابليتها لتطلعات الأطراف التي لها علاقة مع الشركة. و تدون نفس الأجوبة ضمن حسابات الشركة السنوية و تقاريرها حول النتائج الاقتصادية و البيئية و المجتمعية.

و لا بد أن تكون نشاطات الشركة و خطاباتها مقنعة شافية و ذات مصداقية و دلالة للجميع و لكل من له علاقة بها, سواء داخل الشركة أو خارجها, لتكون الشركة مسئولة بأتم معني الكلمة.  

لمكتبنا خبرة دولية واسعة و قوية تمكنه من تقديم مجموعة خدمات عالية الجودة في هذا المجال لاسيما في مساعدتكم في تحديد و تطوير إستراتيجية ملائمة لكم بعد تشخيص ميادين الخطر و فرص العمل المتعلقة بميدان نشاطكم و نشاط عملائكم.

 

إن أهم الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان هي:

- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

- العهد الدولي حول الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية

- العهد الدولي حول الحقوق المدنية و السياسية.

وتعرف هذه الوثائق سويا باسم ميثاق الأمم المتحدة الدولي لحقوق الإنسان.

و يتعين إضافة لهذه الوثائق المعاهدات الجهوية لحقوق الإنسان اللائقة (مثل العهد الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب) حسب البلد أو الجهة التي تتواجد فيها مصالح الشركة أو المؤسسة التي تنمي إستراتيجية المسؤولية المجتمعية و ذلك بغية الحصول على رخصة العمل الأخلاقية من المجتمع المعني.